الحياء وفضله
الحياء وفضله لأم عبد الله بنت
الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
من كتاب
" نصيحتي للنساء "
قال الإمام البخاري (10_523) : حدثنا أحمد
بن يونس ، حدثنا زهير ، حدثنا منصور ، عن ربعي
ّ بن حراش ، حدثنا أبو مسعود قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "إن مما أدرك الناس من كلام
النّبوة ، إذا لم تستحي فاصنع ماشئت ".
قال ابن
رجب في" جامع العلوم " (199) في شرح قوله : "إن مما أدرك الناس من كلام
النبوة الأولى " لفظه يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين وأن الناس
تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن ، وهذا يدل : على أن النبوة
المتقدمة جاءت بهذا الكلام ، وأنه اشتهر بين الناس حتى وصل إلى أول هذه الأمة .اهـ
الحياء نوعان :قال ابن رجب : اعلم أن الحياء
نوعان مكتسب وغير مكتسب .
الغير
المكتسب وهو : ماكان خلُقاً وجبلّة وهومن أجلّ الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله
عليها
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء لا يأتي إلا بخير
"
فإنه يكف
عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق ويحث على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها فهو من
خصال الإيمان بهذا الاعتبار.
الحياء
المكتسب : وهو ماكان مكتسبا من معرفة الله ، ومعرفة عظمته ، وقربه من عباده
واطلاعه
عليهم ، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهذا من أعلى خصال
الإيمان
بل هو من أعلى درجات الإحسان.
وقد
يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه تعالى ورؤية التقصير في شكرها.
فإذا
سلب
العبد كلاهما لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة
فيصبح
كمن لا إيمان له والحياء الممدوح في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم -إنما يريد به الخلق الذي يحث
على فعل الجميل وترك القبيح.
فأما
الضعف
والعجز الذي يوجب التقصير في شيئ من حقوق الله أو حقوق عباده فليس
هو من
الحياء ، فإنما هو ضعف وخوَر وعجز ومهانة والله أعلم .اهـ
قال 'ابن
رجب 'في معنى : "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " في معناها قولان :
الأول
: أنه ليس بمعنى الأمر أن يصنع ما شاء
ولكنه على معنى الذم والنهي عنه.
الثاني
: في معنى "إذا لم تستحي فاصنع ماشئت
" أنه أمر
بفعل مايشاء على ظاهر أمره وأن المعنى إذا كان الذي يريد فعله ،
مما لا
يستحي من فعله ، لا من الله ولا من الناس ، لكونه من أفعال الطاعات
أو من
جميل الأخلاق والآداب المستحسنة فاصنع منه حينئذ ما شئت .
تعريف
الحياء : قال النووي : قال العلماء : حقيقة الحياء خُلق يبعث على ترك القبيح
ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
وروينا
عن أبي
القاسم الجنيد - رحمه الله- قال : الحياء رؤية الآلاء – أي النعم – ورؤية التقصير متولد بينهما
حالة تسمى حياء .اهـ من" رياض الصالحين "( 318 ) بتحقيق الأرناءوط.
والحياء
صفة من
الأخلاق الفاضلة وهو حُلي الإنسان ، وبفقد الحياء يقترف كل شر
فتُسفك
الدماء وتنتهك الأعراض وترتكب الفواحش ، ولا يحترم الكبير ، ويختلط
الرجال
بالنساء ، وتخرج المرأة متبرجة ، وتسافر بدون محرم ويُسمع الحق
فيُرد.
قال
الفضيل بن عياض : خمس من علامات الشقاوة :
القسوة
في القلب ، ووجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل. (
مدارج
السالكين )
وقال
ابن القيم رحمه -الله تعالى -: في مدارج السالكين :وعلى حسب حياة القلب يكون في قوة خُلق الحياء
وقلة الحياء ، من موت القلب والروح ، فكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم .
وقال
أيضا : وعلى حسب معرفته بربه يكون حياؤه منه .اهـ
والحياء
من الإيمان كما في الصحيحين من حديث ابن عمر- رضي الله عنه- قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو
يعظ أخاه في الحياء ، حتى كأنه يقول قد أضربك ، فقال له الرسول- صلى الله عليه
وسلم -: " دعه فإن الحياء من الإيمان "
وفي'
الصحيحين ' من حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه -قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم -: "الإيمان بضع وستون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان."
وأخرج
الحاكم في "مستدركه "عن ابن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- :
"الحياء
والإيمان قُرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر "
ودل
هذا على أن الحياء والإيمان شيء واحد ، بفقد أحدهما يفقد الآخر.
وروى
الترميذي في جامعه عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: قال : قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- :" الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء
والجفاء في النار "
الحديث
حسن وهو في الجامع الصحيح( 1/241)
الحياء
خلق نتائجه حميدة وآثاره حسنة ، روى البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين -رضي
الله عنه -، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الحياء لا يأتي إلا بخير
"
ويقول
ابن حبان في" روضة العقلاء
" إذا قوي
حياؤه ، قوي كرمه وضعف لؤمه ، وإذا ضعف حياؤه قوي لؤمه وضعف كرمه .اهـ
والحياء
يدعو إلى طاعة الله واجتناب نواهيه .
والحياء
خصلة حميدة.
يقول
الشاعر :
وليس
بمنسوب إلى العلم والنهى "" فتىً لا تُرى فيه خلائقُ أربعُ
فواحدةٌ
تقوى الإله التي بها "" يُنالُ جَسِيمُ الخَيرِ والفضلُ أَجمعُ
وثانية
صدق الحياء فإنه "" طباعٌ عليه ذو المروءة يُطبعُ
وثالثةٌ
سِلمٌ إذا الجهل أطلعت "" إليه خبايا من فُجُورٍ تسرَّعُ
ورابعةٌ
جُودٌ بمِلكِ يمينه "" إذا نابه الحقُّ الذي ليس يُدفعُ
الحياء
له مكانة
عظيمة في الشريعة الإسلامية ،وأيما مكانة ، أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي واقدٍ اللَّيثي
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد
والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفرٍ ، فأقبل إثنان إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وذهب واحد ، قال فوقفا على رسول صلى الله عليه فأما أحدهما فرأى
فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر
ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أُخبركم
عن النَّفَرِ الثلاثة : أما أحدهم فأوى إلى الله فأواه الله ، وأمّا الآخر
فاستحيا، فاستحيا الله منه ،وأما الآخر فأعرض ، فأعرض الله عنه ُ
"
ويدل هذا
الحديث على أن الحياء صفة من صفات رب العالمين نثبتها كسائر الصفات :
" ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير"[ الشورى: 11 ]
والحياء
خلق من
أخلاق الملائكة ، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ، الحديث بطوله وفيه : أن النبي
-صلى الله عليه وسلم- قال : " ألا أستَحِي من رجُلٍ تستحي
منه الملائكة " يعني عثمان بن عفان -رضي الله عنه
-.
الحياء من سنن الأنبياء والمرسلين ، يقول الله
مخاطبا للمؤمنين : (يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى
طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ
فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ
لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ
وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ
وفي "الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
الحياء يدعو إلى مراقبة الله عز وجل ، في السر
والعلن ، في الليل والنهار .
قال الشاعر :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
""" والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها
""" إن الذي خلق الظلام يراني