السني في سطور
أسباب الذل
العلم قال الله قال
رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهُ
ورسوله،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[102:آل عمران] ،
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [1:النساء] ،
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [70-71:الأحزاب]
أما
بعد .
لا شك أن وضع الناس في المجتمع وما يسودهم من
عادات وتقاليد، وما يحكم معاملاتهم وعلاقاتهم، يخضع - بصورة مباشرة - لما يعيشه هذا
المجتمع من ظروف سياسية، داخلية كانت أم خارجية.
فأحوال المجتمعات بعد عصور الخلافة أدى الى
انقسام كبير في المجتمع،فالحروب المتتابعة التي تعرضت لها البلاد أدت إلى عدم الاستقرار
في المجتمع، وكثرة الانتقال والترحال - الهجرة الداخلية - وذلك فراراً من خطر القتل،
مع ما يصاحب ذلك: من فقدان المأوى، وتعطلِ الأعمال، وكساد التجارات، وقلة الأقوات.
ويُصَوِّرُ ابن كثير - رحمه الله - شيئاً من
ذلك عندما عزم هولاكو على غزو دمشق، فيقول: "فانزعج الناصر - صاحب دمشق - لذلك،
وبعثَ بحريمه وأهله إلى الكَرْك لِيُحَصِّنَهم بها، وخافَ أهل دمشق خوفاً شديداً -
ولاسيما لَمَّا بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات - سافر كثير منهم إلى مصر في زمن الشتاء،
فمات ناسٌ كثيرٌ منهم ونهبوا".
وما يقال عن أثر الحروب الخارجية، يقال - أيضاً
- عن أثر السياسة الداخلية لحكام البلاد، وما كان بينهم من منازعات مستمرة.
كما أننا نلمح ارتباطاً وثيقاً - كذلك - بين حالة
البلاد الدينية، والحالة الاجتماعية ؛
فإنَّ
الفَهْمَ الصحيح للإسلام،
والتطبيق
السليم لأحكامه،
والالتزامَ
الصادقَ بتعاليمه،
كل ذلك
له أثر طيب على أفراد المجتمع، وعاداتهم وتقاليدهم؛ فيسود المجتمع
الاستقرار والأمن، ويعُمُّه الخير والرخاءُ.
وعلى العكس تماماً، فإن الانسلاخ من أحكام الدين
وشرائعه، وتضييع تعاليمه وشعائره، من أهم أسباب شيوع الفوضى وعدم الاستقرار في المجتمع،
وفساد الأخلاق، وضياع القِيَم.
أما عن أهم السمات التي ميَّزت حالة المجتمع، والأوضاع التي سادت أفراده،
فإنها تتلخص فيما يلي:
أولاً: التفاوت الواضح بين طبقات
المجتمع وفئاته، مع عدم المساواة بين أفراده.
فطبقة الحكام والأمراء
في المقدمة، تحظى بكل الخيرات والنعم، وتستأثر بالإقطاعات الواسعة، وتحوز الأموال الطائلة
ثم تلي هذه الطبقة: طبقة الجنود من أتباعهم على
اختلاف رتبهم ومقاماتهم، إذ كان الأمراء يولون هذه الفئة عناية فائقة، وذلك كسباً لولائهم،
ليكونوا سنداً لهم عند نزول المحن.
ثم يلي هؤلاء: بقية فئات المماليك، الذين كانوا
يرون لهم ميزةً على سائر أبناء الشعب أصحاب البلاد الأصليين.
ثم تأتي بعد ذلك سائر فئات الشعب، يتقدمهم العلماء
والفقهاء، وغيرهم من المثقفين، وقد كانت هذه الطبقة تحظى باحترام الأمراء والسلاطين
أكثر من غيرها.
ثم في آخر هذا الترتيب الطبقي: عامة الناس من
عمال، وفلاحين، وغيرهم من أصحاب الحرف الأخرى، الذين كانوا يشقون ويكدحون لراحة غيرهم
مع ما هم فيه من الفقر والحرمان1.
ثانثاً: انتشار بعض الأمراض الاجتماعية
الخطيرة، والعادات السيئة بين أفراد المجتمع، ومن أبرزها:
أ- الرشوة في الولاية وغيرها:
ويبدو أن هذا الأمر قد استشرى في المجتمع، وعمَّت
به البلوى، حتى كانت سنة (712هـ) "وفيها قدم كتاب من السلطان إلى دمشق:
ب- الحيل المحرمة التي اتخذت وسيلة للتخلص
من الأحكام الشرعية، والتلاعب بالدين.
وعلى رأس الحيل التي انتشرت آنذاك: التحليل/المحلل(الزوج المستعار) ، وأُعلن ذلك حتى صارت
له حوانيت يَتَرَزَّقُ منها أصحابها.
ج- سفور النساء وتبرجهن، وانتشار ذلك، وعموم الشر
بسببه: إلى أن "نادى مناد من جهة نائب السلطنة - حرسها الله تعالى - في البلد:
أن النساء يمشين في تَسَتُّر، ويلبسن أُزْرهنَّ إلى أسفل من سائر ثيابهن، ولا يُظْهرن
زينة ولا يداً، فامتثلن لذلك ولله الحمد والْمِنَّة"2.
ثالثا: انعدام الأمن في أنحاء
المجتمع.
وقد أدى ذلك إلى انتشار السرقة والنهب وقطع الطريق،
مما ادى الى انعدام الامن والامان
رابعا: نزول الْجَدْبُ والقحط
والجفاف بالمجتمع، ونقصُ السلع والأقوات، وغلاء الأسعار .
وكثيراً ما كان يحدث ذلك، حتى إن بعض السلع بيعت
بأضعاف أضعاف ثمنها الحقيقي ، وقل الخبز، وازدحم الناس على الأفران زحمة عظيمة،
سادساً: انتشار الأمراض والأوبئة
الفَتَّاكة التي كانت تهلك الآلاف من الناس.
ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال
أصل كلِّ بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة... واختلاط الرجال بالنساء
سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة
ولا شك أن هذا الغلاء والضَّنَك، والنقص في الأقوات
والأرزاق، يرجع إلى إغراق الناس في المعاصي، وتضييعهم حقوق الله سبحانه، وتعديهم حدوده.
لقول صلى الله عليه وعلى
آله وسلم-: ( إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع،
وتركتم الجهادَ في سبيلِ الله، سلّط اللهُ عليكم ذلاَ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى
دينكم )
فالرجوعُ إلى الدين هو الواجب الأول على المسلمين
الذين يريدون أن يجاهدوا في سبيلِ اللهِ حقاً،
والرجوع إلى الدين معناه الرجوع إلى أحكامِه التي
أنزلها اللهُ -تبارك وتعالى- على قلبِ نبيه -عليهِ الصلاةُ والسلام- وبخاصّة الرجوع
إلى الكسب الحلال الذي ابتعد عنه كثير من المسلمين إن لم نقل أكثر المسلمون اليوم وبخاصّه
التجّار منهم .
فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.