لماذا إذا قاطعنا أحد في الحديث دون قصد نعتذر؟ أو إذا سعلنا و نحن نتحدث نعتذر؟ أو إذا إصتدمنا بأحد المارة نعتذر؟ و نقولها بمنتهى التحضر و البساطة "آسف" بينما لا نقول هذه الكلمة إذا فعلنا موقف جارح أو خاطئ أكبر من هذه المواقف الصغيرة؟
هل السبب هو كبرياء ليس في موضعه الصحيح؟
أم هو لشعورنا بالذنب نشعر بالحرج من الإعتذار؟
إذا كان السبب هو الكبرياء ففكر قليلاً في الآتي:
إن من دواعي إعتزازنا بأنفسنا هو أننا محبوبين، و لذلك فإن وجود محبينا في حياتنا هو ضرورة لنا، إذن يجب أن نحافظ على هذه القلوب حولنا، فهى من أقوى أسباب ثقتنا بأنفسنا.
فهل يعقل بدلاً من أن نروي هذه القلوب بالحب أن نجرحها؟ هل من السهل الإستغناء عن هذا الشيئ الثمين؟
كما أن الإعتذار في حد ذاته دليل على ثقة بالنفس، فلا يقوى على فعله كما يجب إلا ذوى الشخصيات القوية.
أما إذا كان السبب هو الإحراج فالسؤال هنا
هل يجب أن يمنعنا هذا الحرج من تحسين الموقف و مداواة جرح الطرف الآخر؟
أعتقد أننا نجهل في ثقافتنا الشرقية معنى الإعتذار و كيفيته، و ما نعرفه فقط هو أن الإعتذار هو إنقاص للكرامة و إهانة و ضعف، و قطعاً هذه المعتقدات عقيمة تولد فقط عجرفة عن جهل مما تقلل من قيمة الشخص تماماً.
إذا كنت لا تصدق كلامي فتذكر كم من شخص قابلته قال لك بمنتهى الثقة الشديدة "أنا عمري ما ندمت على حاجة عملتها" و ما يعجز هذا الشخص عن فهمه ان ما قاله هو (خيبة تقيلة) فلا أحد على سطح الكرة الأرضية منذ بدايتنا بها لم يخطئ -تذكر قصة سيدنا آدم و ندمه على ما فعل- بداية وجودنا على الأرض خطأ. الكارثة الكبرى أن لا نعترف بخطأنا أساساً فهذه غطرسة، فالإعتراف بالذنب يؤدي إلى الندم، و شعور الندم المؤلم هبة تجعلنا لا نكرر خطأنا مرة أخرى.
الإعتذار الفعال هو علم و فن معا
العلم هو ان تعرف ما هى العناصر التى يجب أن تتوافر تحت الظروف الصحيحة لينتج عنها رد الفعل المثالي.
*
العناصر مثل شعورك بالندم أو إدراكك لمدى عمق جرح الطرف الآخر أو إسلوب إعتذارك
*
و الظروف الصحيحة مثل الوقت المناسب -و ليس معنى الوقت المناسب أن لا نترك الجرح للأيام- أو المكان المناسب
الفن هو كيفية تطبيق العلم و كيف تقدم إعتذارك
و هناك طرق عديدة للإعتذار و لكن الطريقة المثالية لحالتك تتوقف على إجابتك على الثلاث أسئلة التالية
من هو الشخص الذى تريد الإعتذار له؟
ما مدى عمق علاقتك به؟
ما مدى تأثير خطأك على هذه العلاقة؟ بمعنى آخر مدى حجم خطأك
أما عن طرق الإعتذار فهناك طريقتين أساسيتين للإعتذار
بالكتابة أو بالفعل
إذا كانتالكتابة هى الطريقة المثالية للإعتذار عن هذا الموقف فيجب أن تكون الكتابة بخط اليد و ليس عن طريق الطباعة أو البريد الإلكتروني
و إذا كان الإعتذار عن طريق الفعل فيجب أن تكون أمام الشخص و ليس عبر الهاتف
أما إذا كانت علاقتك بهذا الشخص حميمة ففكر بطرق رومانسية لتوصيل الإعتذار
و عندما تفكر في الطرق الرومانسية يجب أن تفكر في "آسف" و "بحبك" في الوقت نفسه
عندما يكون الشخص على علاقة قوية بك، إشعر هذا الشخص بمدى تميزه لديك، و مدى أسفك لجعله يشعر بالألم.
يجب أن تظهر مدى إهتمامك و مدى خروجك عن طرقك التقليدية المألوفة لتشعرهم بمدى أهميتهم لديك.
في أغلب الأحيان يكون إعتذارنا ليس للإعتراف بالخطاء أو للتخفيف عن الطرف الآخر، و لكن لكى ننهى العقاب الواقع علينا حتى لو كان هذا العقاب هو تأنيب الضمير فقط (و هو النابع من داخلنا و ليس للطرف الآخر يد فيه) و لكن يجب أن نركز فقط على مداواة الطرف الآخر، أى الإعتذار للإعتذار
ما يجب فعله عند الإعتذار
لا تعتذر و انت لا تشعر بما تقول
خذ الوقت الكافي لتشرح و تعترف بالخطأ الذى فعلته
إستخدم الكلمات المعبرة عن أفكارك و التى يجب أن تكون واضحة جدا
إستخدم الكلمات التى تدل على مدى تقديرك لجرح مشاعر الطرف الآخر و مقدر لمدى حزنهم
إطلب المغفرة بوضوح دون ان تتوقعها
إترك بعض الوقت للطرف الآخر ليفكر في إعتذارك
لا تحاول أن تمزح
لا تحاول أن تثير شفقة الشخص الآخر كجزء من الإعتذار
إعرض أسباب خطأك و لكن تجنب إقناع الطرف الآخر بها، تذكر أنك تقدم إعتذار و ليس أعذار
لا تقلل من حجم خطأك
لا ترد مطلقا على رفض الإعتذار بقول "ما انا قولت انا آسف عايز إيه تانى" فغالبا الطرف الآخر يريد المزيد
لا تبدأ مطلقا بعبارة "أنا مش عارف أنا عملت إيه بالظبط لكن.." إعرف خطأك و حاول إصلاحه بشدة
إعترف بخطأك فمن الهام جدا أن يشعر الطرف الآخر بإحساسك بالندم
تجنب تقسيم الخطأ مع الطرف الآخر
إكتب إعتذارك في ورقة و إقرأها على نفسك عدة مرات لتسترجع ما تريد قوله
و أخيرا تذكر دائما أنا المغفرة تأتي دائما بعد الإعتذار الكافي عما حدث
أذكركم بحديث الرسول (صلى الله عليه و سلم) "خيركم من بدأ بالسلام"
هل فكرتم مرة لماذا الذي يبدأ هو الأفضل؟؟
لأنه الأصفى روحاً و الأرقي مشاعراً و الأنقى تعاملاً
إن أكبر قصص الحب تتحطم على صخور الجرح لتكبرنا من التعلق في طوق الإعتذار
و أطول الصداقات عمراً ترفع أقلام إستمراريتها لكى لا نكتب كلمة الإعتذار بها
و أقوى صلات الأرحام تُقطع بسكين الكرامة الزائفة حتى لا تُوْصَل بالإعتذار
نحن جميعاً بشر و جميعنا يرتكب الأخطاء و لكن بعد إرتكاب الأخطاء يجب أن نعلم كيف نجعل الأشياء صحيحة مرة آخرى حتى تعود حياتنا إلى طريقها السليم ثانية.