عمر 2011 عضو جديد
عدد المساهمات : 10 عـمـلـي : هوايتي : بلدي : الجنس :
| موضوع: من لطائف إبتلاء الله لعبده الموحد الثلاثاء يونيو 05, 2012 7:06 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله الذي برحمته تداركنا وأنقذنا من ظلمات الشرك إلى نور الإسلام والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع بفضل الله هداه
من لطائف ابتلاء الله لعبده الموحد
إن الله تبارك وتعالى يبتلي عباده المؤمنين، لأنه يحبهم، ليصلحهم، وليربيهم ولييسر لهم أسباب الحسنات الكبار.
يبتليهم... وفي هذا الابتلاء يستجيش في نفوس عباده الموحدين أكرم ما في النفس البشرية من طاقات واتجاهات. فليس أكرم في النفس من أن يعز عليها "وحدانية الله تبارك وتعالى" الذي تؤمن به، حتى تبذل في سبيله كل شيء، حتى لو أدى بها الأمر أن تموت في سبيل إقرار هذا الحق، فهي ترى أن هذا ثمن رخيص جدا ، ولا تُسَلّم في هذا الحق الذي تعيش له و به ، ولا تستطيع الحياة بدونه ، ولا تحب هذه الحياة في غير ظله.
ويريد ليربيهم... ليخرج من نفوسهم كل هوى وكل رغبة في أعراض هذه الأرض الفانية مما يعز عليهم أن يتخلوا عنه. ويظل يقوي في نفوسهم كل ضعف ويكمل كل نقص ، وينفي كل زغل ودخل ، حتى تصبح رغائبهم كلها في كفة وفي الكفة الأخرى إقرار الوحدانية لله في الأرض ، والتطلع إلى وجه اللّه ورضاه. فترجح هذه وتشيل تلك. ويعلم اللّه من هذه النفوس أنها خيرت فاختارت ، وأنها تربت فعرفت ، وأنها لا تندفع بلا وعي ، ولكن بإيمان و يقين.
ويريد ليصلحهم... ففي المعاناة لأجل الله تبارك وتعالى ، والتعرض للأذى بل وللموت في كل جولة ، ما يعود النفس الاستهانة بهذا الخطر المخوف ، الذي يكلف الناس الكثير من نفوسهم وأخلاقهم وموازينهم وقيمهم ليتقوه. وهو -بعون من الله وحده و بتوفيقه وحده- هين هين عند من يعتاد ملاقاته. سواء سلم منه أو لاقاه. والتوجه به للّه في كل مرة يفعل في النفس في لحظات الخطر شيئا يقربه للتصور فعل الكهرباء بالأجسام! وكأنه صياغة جديدة للقلوب والأرواح على صفاء ونقاء ويقين وصلاح.
إن الإيمان ليس كلمة تقال، إنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعبــــاء، وجهاد يحتاج إلى صبــر ، وجهد يحتاج إلى احتمـال.
فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم. كما تفتن النار الذهب، لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، وسنة جارية ، في ميزان اللّه سبحانه :
قال الله تبارك وتعالى(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) واللّه يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم اللّه ، مغيب عن علم البشر .
ونعود إلى سنة اللّه -تبارك وتعالى -في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين.
إن الإيمان أمانة اللّه في الأرض ، لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة ، وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص. وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة ، وعلى الأمن والسلامة ، وعلى المتاع والإغراء. وإنها لأمانة قيادة الناس إلى طريق اللّه ، وتحقيق كلمته في عالم الحياة. فهي أمانة كريمة وهي أمانة ثقيلة ، وهي من أمر اللّه يضطلع بها الناس ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتــــــــــــلاء.
وهذه بعض صور الفتنة، من الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه ، ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان. وهذه هي الصورة البارزة للفتنة ، المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة. ولكنها ليست أعنف صور الفتنة. فهناك فتن كثيرة في صور شتى ، ربما كانت أمر وأدهى.
وهناك فتنة الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه ، وهو لا يملك عنهم دفعا. وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم . كالذي حدث للماشطة-رضي الله عنها- التي كانت تمشط شعر بنت فرعون لعنه الله ، عندما حاولوا أن يفتنوها بأولادها الخمسة!!، فما تزلزلت بل ثبتت ثبات الجبال بعون من رب العباد وحده لا شريك له تعالى، رضي الله عنها وأرضاها..
والمطلوب من العبد المسلم هو أن يثبت و يصبر و لا يفتتن و لا يتزلزل ولا يبدل دينه تحت مطرقة أي فتنة مهما بلغت ومهما كانت، و لن يستطيع الثبات أمام عواصف الفتن و مطارقها إلا بصدقِ طلبِ العون من الله وحده تبارك وتعالى ،
وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين، ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين ، تهتف لهم الدنيا ، وتصفق لهم الجماهير ، وتتحطم في طريقهم العوائق ، وتصاغ لهم الأمجاد ، وتصفو لهم الحياة. وهو مهمل منكر لا يحس به أحد ، ولا يحامي عنه أحد ، ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا.
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة ، حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة وهو وحده موحش غريب طريد.
وهنالك الفتنة الكبرى. أكبر من هذا كله وأعنف. فتنة النفس والشهوة. وجاذبية الأرض ، وثقلة اللحم والدم ، والرغبة في المتاع والسلطان ، أو الرغبة في الأمن والدعة والاطمئنان. وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه ، مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس ، وفي ملابسات الحياة ، وفي منطق البيئة ، وفي تصورات أهل الزمان!
فإذا طال الأمد .. وأبطا نصر اللّه تبارك وتعالى.. كانت الفتنة أشد وأقسى.. وكان الابتلاء أشد وأعنف.. ولم يثبت إلا من اعتصم بالله فعصمه اللّه تبارك وتعالى.. وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان ، ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى ، أمانة إقرار وحدانية الله تبارك وتعالى، في الأرض.
وما باللّه - حاشا للّه - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، وأن يؤذيهم بالفتنة. ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة. فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات ، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر اللّه أو في ثوابه ، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء.
والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع. وتطرقها بعنف وشدة، فيشتد عودها ويصلب ويصقل. وكذلك تفعل الشدائد بالمسلمين ، فلا يبقى صامدا إلا أصلبهم عودا وأقواهم إيمانا ويقينا ، وأشدهم اتصالا باللّه تبارك وتعالى، وثقة فيما عنده من الحسنيين وهؤلاء هم الذين يسلّمون الراية في النهاية. مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار.
وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن وبما بذلوا لها من الصبر على المحن وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات. والذي يبذل من دمه وأعصابه ، ومن راحته واطمئنانه ، ومن رغائبه ولذاته. ثم يصبر على الأذى والحرمان يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام.
فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد اللّه تبارك وتعالى. وما يشك مؤمن في وعد اللّه. فإن أبطأ فلحكمة مقدرة ، فيها الخير للإيمان وأهله.
وليس أحد بأغير على الحق وأهله من اللّه تبارك وتعالى. وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة ، ويقع عليهم البلاء ، أن يكونوا هم المختارين من اللّه ، ليكونوا أمناء على حق اللّه تبارك وتعالى. وأن يشهد اللّه لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء فلقد أخبرنا نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء، وإن كان في دينه رقة خفف عنه
وأما الذين يفتنون المؤمنين ، ويعملون السيئات ، فما هم بمفلتين من عذاب اللّه ولا ناجين. مهما انتفخ باطلهم وانتفش ، وبدا عليه الانتصار والفلاح. وعد اللّه كذلك وسنته في نهاية المطاف : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» ..
فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق ، ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه ، وفسد تقديره ، واختل تصوره. فإن اللّه الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن ويميز بين الصادقين والكاذبين، هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد.
منقول بتصرف../ في ظلال القرآن/ من تفسير سورة العنكبوت/ سيد قطب يرحمه الله تعالى. و الحمد لله رب العالمين | |
|